إخواني..
كلنا يبحث ويريد البيت المسلم السعيد.. البيت الذي فيه المأوى الكريم والراحة النفسية.. البيت الذي ينشأ في جنباته جيل صالح فريد: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]..
فيا ترى هذا البيت السعيد ما هي سماته وما هي صفاته؟
إخواني..
البيت نعمة لا يعرف قيمته وفضله إلا من فقده وعاش في ظلمات سجن أو في غربة أوفي فلاة قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً}، البيت نعمة من نعم الله على عباده، يجد المسلم راحته وهدوء باله، وفيه السكن والراحة والمودّة في خضمّ مشاكل الحياة.
إخواني..
إنّ طريق الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة لا يبدأ إلا بِصلاح البيوت وتربيتها على الإيمان والقرآن والذكر. أما الخسارة فستكون فادحة وعظيمة يوم يخسر الإنسان أهله ويُضّيع من يعول:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15].
إخواني..
إن العلاقة الزوجية ليست علاقة دنيوية مادية ولا شهوانية بهيمية، فهي أسمى وأعلى من ذلك؛ إذ هي علاقة روحية كريمة إذا ترعرعت ونمت امتدت إلى الحياة الآخرة بعد الممات. {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ} [الرعد:23].
البيت السعيد -إخوة الإسلام- أمانة يحملها الزوجان، وبهما تنطلق مسيرة هذا البيت، فإذا استقاما على منهج الله قولاً وعملاً وتزينا بزينة النفوس ظاهراً وباطناً، وتجمّلا بحسن الخلق والسيرة الطيبة، أصبح هذا البيت مأوى النور وإشعاع الفضيلة، وأصبح منطلقاً لبناء جيل صالح وصناعة مجتمع كريم وأمة عظيمة وحضارة راقية.. يبدأ من صلاح الزوجين؛ فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
إخواني..
البيت السعيد هو البيت الذي جعل منهجه الإسلام قولاً وعملاً.
البيت السعيد هو حصانة للفطرة من الانحراف، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مَولودٍ إلاَّ يولَدُ على الفِطرةِ، فأَبَواهُ يُهوِّدانه أو يُنَصِّرانهِ أو يُمجِّسانهِ، كما تُنْتَجُ البَهيمةُ بَهيمةً جَمْعاءَ» متفق عليه. قال ابن القيم وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صِغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً.
إخواني..
ما أجمل أن يجمع الأب أبناءه، فيقرأ عليهم القرآن ويسمع ويسرد عليهم من قصص الأنبياء والصحابة، ويغرس فيهم الأخلاق العالية.
إخواني..
إن أهم رسالة للبيت المسلم هي تربية الأولاد التربية الصحيحة لا غبش فيها ولا تشوه، ولا تربية إلا بتحقيق القدوة الحسنة في الوالدين. القدوة في العبادات والأخلاق القدوة في الأقوال والأعمال، القدوة في المخبر والمظهر، فيأمر الأب أولاده بالصلاة وهو أول المصلين، ويأمرهم بالأخلاق وهو أعلاهم خُلقاً، ويحثهم على الصدق وهو أصدقهم.
مشى الطاووس يوماً باختيال..
فقلّده بمشيته بَنُوه..
فقال علام تختالون؟
فقالوا: بدأت به ونحن مقلدوه..
وينشأ ناشئ الفتيان منّا *** على ما كان عوّده أبوه
فالأولاد مفطورون على حب التقليد، وأول من يقلد الطفل أباه وأمه. لكن عندما انشغل الآباء عن تربية أبناءهم والقيام بالقوامة على نساءهم والحفاظ على أبناءهم من قرناء السوء والضياع والدمار، عند ذلك تحطّمت الأسر والبيوت، وضاع جيل بعد جيل..
فليتق الله كل الآباء.
البيت السعيد من صفاته أنه يردّ الأمور عند الخلاف إلى الله ورسوله، ولسان حالهم:
{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً} [الأحزاب:36].
البيت السعيد سعادته وأنسه ولذّته في ذكر الله. ففي الحديث الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ اللّهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ», وفي الصحيح أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ. وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُوراً», وقال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ. إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ», وقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصلاةِ في بيوتكم، فإن خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتهِ إلاّ الصلاةَ المكتوبة».
في هذه الأحاديث وغيرها دليل على مشروعية إحياء البيوت وتنويرها بالتسبيح والتهليل والتكبير وقراءة القرآن وصلاة النافلة، وإذا خلت البيوت من الصلاة ومن الذكر كانت قبوراً موحشة، ولو كانت قصوراً، فبدون الذكر تغدوا البيوت مكاناً للشياطين سكانها موتى القلوب وإن كانوا أحياء.
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى} [طه:124]، وقال عز وجل: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36].
البيت السعيد هو البيت البعيد عن المشاجرات والمهاترات وضرب الوجه والإهانة والإذلال. سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ما حَقُّ المَرْأةِ على الزَّوْجِ؟ قالَ: «يُطْعِمهَا إذا طَعِمَ ويَكْسُوهَا إذا اكْتَسَى، ثُمَّ لا يَضْرِبُ الوَجْهَ، ولا يُقَبِّحُ، ولا يَهْجُرُ إلا في البَيْتِ»,
قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19].
البيت السعيد ليس شرطاً أن يكون قصراً، ليس شرطاً أن يمتلأ بالأموال والمأكولات والمشروبات؛
ولكن يكفيه الكفاف، والرضا بالمقسوم، شعاره قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سِرْبِه مُعَافًى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيْزَتْ لَهُ الدُّنْيَا». جاء العباس عمّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به، قال صلى الله عليه وسلم: «يا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم سل الله العافية في الدنيا والآخرة».
يرحم الله هارون الرشيد الذي ملك الدنيا وكان أميراً للمؤمنين؛ جلس ذات يوم فعطش، فطلب الماء فلما أحضر الكأس قال له قاضي القضاة: يا أمير المؤمنين، لو أنك مُنعت هذه الشربة، ماذا ستفعل؟ قال سأدفع نصف ملكي. فأعطاه فشرب، ثم قال له: يا أمير المؤمنين، لو مُنعت هذه الشربة من الخروج ماذا ستفعل؟ قال: سأدفع نصف ملكي، قال قاضي القضاة: تباً لملك لا يساوي شربة ماء إدخالها وإخراجها.
وكان على رضي الله عنه عند الحاجة يقول في نفسه يا لها من نعمة منسيّة قليل شاكرها.
فيا عبد الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة لك ولأهلك ولأحبابك.