" Paradise " مشرف
Posts : 634 Points : 1330 Reputation : 12 Join date : 19/04/2009 Age : 37
| موضوع: الحب لا يكفيه يوم 2010-02-22, 01:49 | |
|
الحب لا يكفيه يوم |
|
|
بالحب احتفلوا قبل أيام، واليوم لعلهم نسوه، أو أفرغوا صدورهم منه، وسهروا تلك الليلة في تعظيمه، وهم يظنون أنهم وحدهم الذين يعرفونه، ويعيشونه ويعيشون به. ربما رأوا أن الاحتفال به بمراسمه المتكلّفة جرعةٌ لا بد منها، ليظل متدفقاً بمشاعره طوال العام... وربما عاشوا ليلة الاحتفاء به مشاعرَ جميلة، وتسامعوا ليلته أحلى الكلام وأرقّه، وتبادلوا رسائل مفعمةً بمشاعره ومعانيه.
وغالب الظن أن أكثر المبتلين بالاحتفال بهذا العيد لا يرونه إلا موضة من الموضات التي يُتباهى بها، فلا حب ولا تسامح ـ في الحقيقة ـ عند كثير من المحتفلين به، إذ لو كان كذلك لرأيت في أخلاقهم وتعاملاتهم الرقةَ والأدب والدماثةَ مكان الغلظة والقسوة واحتقار الآخرين.
وسمّوه عيدَ الحب، وهو في الحقيقة عيدُ العشاق، وهل يريد أكثر العشاق من عشقهم إلا قضاء شهوة يُبذل فيه الحب المزعوم بعوضه، كما تبذل أي سلعة لمن يزيد! فإذا أشبع من معشوقته نهمته ولّى مدبراً ولم يعقب! ذاك هو الحب الذي يعرفونه أو هو أكثر ما يعرفونه ويعيشونه، فقصروا الحب على أحط درجاته: درجة العشق وما هو من بابه، وتركوا من معاني الحب ما هو أسمى وأشرف، تركوا الحب المشروع إلى الوضيع والمذموم! حين جعلوا للحب عيداً، فبدا وكأنه ميقاتُ تكليفٍ، تحتذى فيه مراسمُ متكلفة مُكْلِفة، لا تكاد تتجسد فيها المعاني على السجية.
وما أبخسها من مشاعرَ لا يُعبر عنها إلا في يوم محدود، كأنما تستخرج استخراجاً عن تكلف لا عن طبيعة. ولا يعنينا أن نستدرك على العشاق ما يعيشونه ليلة عيد الحب، وما يفيضون به من مشاعره الزائفة، فإن كشف عوار الأصل يغني عن تتبع عيوب ما قام عليه. حقيق علينا أن نعرِّف ناشئتنا كيف يعيشون الحب المشروع وكيف يعبرون عنه، ويجعلونه أرقى من أن يكون سلوكاً صامتاً لا تلوح فيه مشاعر الحب بألفاظه العفيفة الراقية، ولكننا على يقين أن طريق ذلك ليس بإحداث عيد يسمونه عيد الحب، ولا باتباع الآخرين ومحاكاتهم في موروثاتهم الخرافية الوثنية. إن طريق ذلك أوسع من أن يكون محصوراً في عقبة عيد الحب، فالطريق واسع... والبدائل المباحة تغنينا عن أن ندخل جحر الضب الذي دخله الآخرون. لقد اعتاد كثيرون في مجتمعنا سلوكاً فجاً مصمتاً من مشاعر الحب ولمساته، فلغة الحب لا وجود لها في قاموس كلماتهم، ولمساته الحانية لا يرونها إلا تبذّلاً يجب أن يترفع عنه أهل المروءات، غير أن من التوهم أن يُظن أن عيد الحب كفيل بأن يحيي مشاعر الحب في قلوب هؤلاء، وأن يفجر فيها أحاسيسه، لتعبر عنها كلماتهم ورسائلهم ولمساتهم الحانية. إن المسألة أبعد من هذا التجديف، فمشاعر الحب نتاج تربية وثقافة، تبدأ من مهد الصِبا، وتلازم الصغير حتى يصبح شاباً يافعاً، ثم زوجاً وأباً حنوناً عطوفاً.
وفي الإسلام أعيادٌ ومناسبات هي أنسب ما تكون لبث مشاعر الحب والتعايشِ بروحها، فرمضانُ مناسبة جميلة تجمع الأسرة على مائدة الإفطار في وئام جميل تظهر فيه الفرحة عند الفطر، وتعاش فيها لحظات إيمانية بديعة تجتمع الأكف لترفع بضراعتها إلى الله، تجتمع متآلفة متحابة، وتتفرق كذلك. وفي العيدين: الفطر والأضحى مناسبة أخرى تغنينا عن عيد الحب ومراسمه، فمن كانت له مشاعر يحب أن يبثها إلى أحبابه من زوج ووالد وولد وصديق حميم فليبثها في أعياد الإسلام، وإن كان من تعبير تتوق النفس إلى أن تبوح به لمحبوبها في غير الحرام فلتبُح به في أعيادنا. ولنا أن نقول غير مبالغين: إن الحب هو من أوسع المشاعر مناسباتٍ، فلا تقتصر مناسباته التي تظهر فيه تباريحه على ما تقدم، ولا يمكن حصر مناسباته، إلا إذا أمكن أن تحصر مناسبات البسمة والفرح، ولكننا لا نشعر بها، لأننا لم نتعود ولم نعوّد أولادنا أن نفيض فيها بمشاعر الحب بيننا. لا يغني عن الإفاضة بمشاعر الحب أن يسخو الوالد على ولده، أو أن يوقر الولد والده، أو أن يحترم الزوج زوجته، ولاشك أن ذلك مما يمكن أن يعبر به عن الحب والمودة والرحمة، ولكننا نفتقد من الحب مشاعره التي لا يعبر عنها إلا البنانُ واللسان، وأكثرنا ينظر إليها على أنها من نافلة الحب وترهاته التي يترفع عنها الرجال، فإن يكن ذلك في نظر بعضنا فليس الأمر كذلك في نظر المصطفى عليه الصلاة والسلام، فقد كان يفيض بكلمات الحب لزوجاته ولبعض أصحابه، كأسامة وزيد والحسن والحسين وعلي وآخرين. كان يعبر عن أحاسيس الحب في مزاحه وتودده لزوجاته، ولذلك أمثلته التي تطلب في مظانها. لو كانت ثقافة الحب متوافرة بيننا لرأيت الولد يفجأ أباه أو أمه برسالة يعبر فيها عما يكنّه صدره من مشاعر حب لهما، يفيض بها من تلقاء نفسه من غير أن يقترحا عليه ذلك. لو كان الحب ثقافة يتربى عليه أولادنا منذ الصغر لرأيته سلوكاً يتمثله الوالد والولد والزوج والزوجة في تعبيراته ولمساته ورسائله وكلماته بمناسبةٍ، وابتداءً من غير مناسبة!
لا تستهينوا بمسألة الحب، ولا تظنوا أنه من فضول العيش وترهاته التي يترفع عنها الشرفاء، فإن الأولاد إذا افتقدوا عاطفة الحب وأحاسيسَها بين أهليهم بحثوا عنها في مكان آخر، وبطريقة أخرى لا نرضاها قطعاً. إن الغرائز والعواطف إنْ تُشبع النفوس بها بالحلال استغنت بها عن تحسسها في طريقها المرذول المحرم.
سامي الماجد الإسلام اليوم [/b] |
|
| |
|