فالاعمال ستوزن(فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ومن خفت موازينه فأمه هاوية). وعلى الأعراف رجال موقوفون تعادلت حسناتهم وسيئاتهم وما أحوج الواحد منهم لحسنة واحدة ترجح كفة الحسنات ليدخل الجنة، فثقل ميزانك بالحسنات ما استطعت دون كل أو ملل ولن يخيب الله ظنك وهو القائل(للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، كما أن الإكثار من اعمال الخير يحاصر أعمال الشر ويجعلها في أضيق نطاق، فقلبك يا ابن آدم إناء فاضِِ فاملأه بما شئت، فأعمال الخير كلما اتخذت حيزا أكبر في هذا الإناء، قل الحيز الذي يحتله الشر، وهذا ما يمكن أن يفهم ضمنا من قوله تعالى(ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه).
أعمال الخير قد توصلك إلى باب الهداية الذي تكفل الله بمساعدة كل من يصل إليه(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ )،والإكثار من أعمال الخير مهما طغت الذنوب في هذا العالم المليء بالموبقات هو جهاد للنفس (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، أكثر من أعمال الخير مهما غصت في المعاصي ومهما أحاطت بك الآثام فقد خص الله المسرفين من عباده بارحم آية في القرآن الكريم( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )بل إنه ذكر من يذكرون الله بعد أن وقعوا في فخ الفاحشة- وهي ما اشتد قبحه من المعاصي- مع الكاظمين الغيض والعافين عن الناس ووصفهم بالمتقين بل وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إَِذا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ). يا الله ما اكرمك وما ارحمك!
وأختم بهذه القصة العجيبة(وإن كنت لا أعرف مدى صحتها ولكن لناخذ منها العبرة.) فتأملها:
يقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله:
كنت أسير في طريقي فإذا بقاطع طريق يسرق الناس، ورأيت نفس الشخص 'اللص' يصلي في المسجد، فذهبت إليه وقلت: هذه المعاملة لا تليق بالمولى تبارك وتعالى، ولن يقبل الله منك هذه الصلاة وتلك أعمالك...فقال السارق: يا إمامبيني وبين الله أبواب كثيرة مغلقة، فأحببت أن أترك بابا واحدا مفتوحا.بعدها بأشهر قليلة ذهبت لأداء فريضة الحج، وفي أثناء طوافي رأيت رجلا متعلقا بأستار الكعبة يقول: تبت إليك.. ارحمني.. لن أعود إلى معصيتك..فتأملت هذا الأواه المنيب الذي يناجي ربه، فوجدته 'لص الأمس فقلت في نفسي: ترك بابا مفتوحا ففتح الله له كل الأبواب'.إياك أن تغلق جميع الأبواب بينك وبين الله عز وجل،فعسى باب واحد أن يفتح لك أبوابًا.
غفر الله لي ولكم ولوالدينا وللمؤمنين أجمعين.
منقووول