الغيرة عند الأطفال..!
د.علي رضا
غيرة الإخوة بعضهم من بعض:
من أهم أسباب غيرة الإخوة بعضهم من بعض أنهم يتسابقون ويتنافسون على حنان الأبوين "حنان الأم بصورة خاصة" فيحاول كل واحد منهم أن يكون له أكبر نصيب من العطف والرعاية والعناية. وظاهرة الغيرة هذه تكاد تكون عامة في العالم على اختلاف مجتمعاته وثقافاته وتنوع أنظمة العيش وطراز المدينة فيه.
لكنها أوضح ما تكون في العائلات العصرية القليلة الأفراد التي لا تضم غير الأبوين وعدد قليل من الأولاد، بينما هي أقل وضوحاً وظهوراً في العائلات الكبيرة المنتشرة في كثير من البلدان العربية والتي تضم أحياناً إلى جانب الأبوين والأولاد بعض الجدود والعمات والغير من الأقارب وقد يزيد فيها عدد الأطفال على خمسة ففي مثل هذه العائلات الكبيرة لا تكون الأم وحدها المسئولة عن تربية الطفل بل يشاركها في ذلك عادة بعض الأفراد الكبار كالعمات أو أخوات الطفل الكبيرات، فيخفف بذلك شعوره بالحاجة إلى المزاحمة والتسابق للحصول على أكبر نصيب من حنان الأم وعنايتها..
وتظهر غيرة الإخوة بعضهم من بعض في كثير من الأشكال.
أولاً: غيرة الطفل من أخيه المولود حديثاً:
لعل أهم الأسباب لهذه الغيرة هو انصراف الأم وقتاً طويلاً إلى العناية بالمولود الجديد وإحاطته بألوان العطف والرعاية، لا سيما حين تسنده إلى صدرها وتعطي الأم ثديها لمولودها الجديد للرضاعة إن هذه الأمور والتصرفات قد توهم الطفل الأكبر الذي تظهر عليه علامات الغيرة بان أمه سوف تهمله من أجل أخيه المولود الجديد وأنها تحب الصغير أكثر مما تحبه هو... وهكذا يتولد في نفس الطفل الأكبر شعور بأن المولود الجديد وأن هذا الصغير سوف يكون مزاحم خطير له بالنسبة لعطف أمه وحنانها وقد يشتد هذا الشعور ويقوى فتصل الغيرة بالطفل إلى حد إيذاء أخيه الجديد.
فعلى الأم في مثل هذه الحالة أن تكون حذرة وواعية بحيث تتغلب على غيرة طفلها أو تخفف منها على الأقل بقدر إمكانها وإنني لأرجو أن تساعدها النصائح التالية على هذه المهمة العسيرة ما دامت تحرص على سعادة أطفالها وهنائهم:
1- هيئي لطفلك وأنت في أثناء الحمل لمجيء أخيه أو أخته فهو قادر إذا كان قد تجاوز عمر السنة أو السنتين على فهم هذا الأمر إذا أنت شرحت له شرحاً جيداً وكافياً ومشوقاً على أن توضحي له أنه قادم للعب معه وللذهاب معاً إلى المدرسة في المستقبل وأنه يجب أن يحمي أخيه في المستقبل من أي شخص يريد أن يؤذي أخيه لأنه هو الأكبر وأن أخيه سيعتمد عليه في كل شيء فيجب أن يعطف عليه لأنه هو الأكبر ويقبله إذا ما قدم.
2- إذا رأيت عزيزتي الأم طفلك الأكبر يعبر عن كرهه للمولود الجديد، سواء بالكلام أو بالاعتداء عليه فلا تضربيه ولا توبخيه بل أحمي أخيه الصغير أولاً ثم عودي إليه ووضحي له أن هذا التصرف منه خطأ وأنها ستغضب منه إذا ما كرر ذلك التصرف وأن أخيه الصغير ضعيف ويحتاج من يهتم به وهو لا يستطيع أن يأخذ طعامه بمفرده فأعطيه الحليب من الثدي فقط ولكنها تحبه لأنه هو الأكبر وهو أصبح يأكل بمفرده ليس مثل الصغير وحاولي أن تلاعبيه وقتاًُ غير قليل وأن تحكي له بعض الحكايات والقصص القصيرة المسلية واللطيفة فيطمئن على أنك ما زلت تحبينه وتعطيه قدراً كبيراً من الحنان...
3- أعلمي أنه خير للطفل أن يعبر عن غيرته بصورة من الصور بالكلام أو بالحركات أو بالضرب... بدلاً من أن يخفيها ويكبتها في نفسه لأن كبته هذه الغيرة يؤدي إلى تألم ومعاناة نفسية للطفل تظهران على شكل ردود فعل وحركات عصبية مثل مص الأصابع طوال النهار أو عدم الإقبال على الطعام بل ورفضه تماماً وفقدان للشهية مستمر وشرود ذهنه وربما وصل الأمر أحياناً إلى الانطواء والعزلة وأحياناً يمثل دور المريض لاستجلاب عطف وحنان الأم وباقي أفراد الأسرة.
غيرة الطفل من إخوته الذين يكبرونه سناً:
قد يغار الأطفال الصغار من إخوتهم الذين يكبرونه سناً وقد تكون غيرتهم مفيدة وبناءة، إذ هم يحاولون غالباً أن يقلدوا هؤلاء الإخوة في حركاتهم وأعمالهم وتصرفاتهم فتكون النتيجة أن يتعلموا أموراً كثيرة يقتبسونها عنهم ويتعلمونها منهم لكن غيرة الصغار ممن هم أكبر سناً منهم قد تشتد في بعض الأحيان فتصل إلى درجة الشجار والعراك والضرب والأذى مما يعكر جو البيت وصفو الحياة فيه ويسبب للأم ولباقي أفراد الأسرة ضيقاً وغضباً..
فعليك عزيزتي الأم لكي تتغلبي على هذه المشكلة أن تعطي مزيدا من وقتك لطفلك وأن تقومي بصداقته ذلك الصغير وأن تفهميه أنه سيكبر يوماً ما هو أيضاًُ وسيصبح ذات يوم مثل إخوته الكبار وحاولي أن تكلفيه ببعض المهام التي تناسب عمره والتي تعرفين مسبقاً أنه سينجزها بنجاح حتى يكسب ثقته بنفسه ويشعر بأنه ليس أقل من إخوته الكبار وأنه قادر على أداء ما يطلب منه من أعمال.. وإذا امتدحتيه في محيط الأسرة وعند قدوم ضيوف الأسرة فلا مانع فتتبخر الغيرة بتغييرنا لمحاور تفكيره وبثنا لثقته بنفسه داخله وهذا الامتداح المرغوب فيه وفي انجازاته كل هذا يذيب هذه الغيرة التي بداخل هذا الطفل الغيور أو على الأقل يقلل من حجم هذه الغيرة التي بداخله.
غيرة البنت من الصبي:
بعض العائلات تسود فيها فكرة تفضيل الصبيان على البنات لأسباب عديدة منها الاجتماعي ومنها الاقتصادي وقد لا يعبر الأبوان عن هذا التفضيل بصورة علنية ومباشرة لكن بعض تصرفاتهما وأعمالهما لابد أن تفضحه أما في بلادنا العربية فغالباً ما يصرح الناس بتفضيلهم الصبي على البنت مباشرو وبدون لف أو دوران، وهذا يدفع البنت إلى الغيرة من أخيها ، وإن كانت في أغلب الأحيان لا تعبر عن غيرتها أثناء طفولتها بشكل واضح لكن الجهد الذي تبذله لإخفاء غيرتها لا يلبث أن يؤثر فيما بعد على شخصيتها وهذه الحقيقة يجب أن تعرفها الأم فتبذل قصارى جهدها لتجنب بنتها الشعور بأن أخاها أحسن منها لأنه صبي أو ولد والأم الواعية تدرك تمام الإدراك أن البنت وإن كانت تختلف عن الولد في طباعها وتركيبها الجسدي وحاجاتها يجب أن يكون نصيبها من حب أمها وعطفها ورعايتها مثل نصيب الولد تماماً، وإذا فهمت الأم ذلك وأدركته ضمنت لابنتها حياة نفسية هنيئة خالية من كل مشعور بالنقص تجاه إخوتها الصبيان ومن كل إحساس بالغيرة منهم.